Copy

السبت، 12 سبتمبر 2015

دعاة الإسلام.. هل تأثروا بالفكر العلماني؟ إحسان الفقية

أطلقْ صرخاتك على المنابر تُحذّر من خطر العلمانية..
صنّف كتاباً موسوعياً يفضح منهج العلمانية والعلمانيين..
اكتب مقالاً على مواقع الشبكة العنكبوتية لنقد العلمانية..
اجمع طلاب العلم حولك في المسجد تُبيّن لهم زيف المنهج العلماني وأوجه مخالفته للإسلام...

لكنك أيها الشيخ الفاضل، ويا أيها الداعية الذي نحترمه ونُقدّره، ويا أيها المصلح الذي لا نُنكر جُهده..

لن تواجه العلمانية إلا في ميادينها.

* رغم الجهود الضخمة التي يقوم بها الإسلاميون من الدعاة والعلماء والمربون والمصلحون، من مواجهة المد العلماني، إلا أن بعض الفصائل والمحاضن التربوية والأفراد أيضاً، قد استجابوا من حيث لا يدرون إلى ما يرمي إليه العلمانيون، من حصرهم في نطاق معين، يتحدثون فيه إلى أنفسهم، دون تجاوز هذا النطاق إلى الميادين التي يرتع فيها أولئك العلمانيون.

وابتداء، أنا لا أعمم، ولكن هذه صورة واضحة عند كثير من الفصائل العاملة على الساحة، وكأنهم يُجارون العلمانيين في فصل الدين عن شؤون الحياة.

* الدعوة التي لا عمل لها سوى دروس العلم في المساجد، والتي تغرس في الأتباع أن هذا هو الطريق، حيث يصبح في حسّ الفرد منهم أنها الصورة المثالية لما ينبغي أن يكون عليه المجتمع المسلم، لهي صبغة علمانية.
وكأن مواجهة الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي السيئ بعيد عن مستهدف الدعوات.

خطيب الجمعة الذي لا يُحدّث المصلين إلا عن التقوى والزهد والموت والجنة والنار وحُسن الخلق، دون أن يطرق الأحداث الراهنة والمشكلات القائمة، لهو مُصطبِغ بصبغة علمانية دون أن يدري.

هذا هو عين ما ينشده العلمانيون، أن ينحصر العمل الإسلامي في دوائر معينة، بعيدة عن التّمَاس مع الواقع الذي هيمنوا عليه.

* إن الداعية أو المصلح، الذي لا يملك حلولا عملية للناس، ويكتفي إزاء طرح المشكلات بأن يقول: تقوى الله هي الحل..

هو يسيء للمنهج الإسلامي من حيث لا يدري ولا يقصد، وتلك هي الصورة التي رسمها العلمانيون: أن الدعاة لا يملكون حلولا واقعية للناس، فهلموا إلى أهلها.

في أحد الأفلام المصرية القديمة، كان بطل الفيلم يجري هربا من الشرطة، فآوى إلى شيخ ملتحٍ أمامه المصحف، ويخبره أنه مظلوم وضحية، فما كان من الشيخ إلا أن قال له: "توضأ وصل"، يعيد عليه اللص مقولته، فيعيدها الشيخ عليه "توضأ وصل"، فتركه اللص دون كلام.

لقد أشار الدكتور طارق السويدان إلى ذلك المقطع في أحد برامجه التي قدمها منذ زمن، وأبرز من خلاله كيف ترسم الصورة الذهنية للجماهير عن الدعاة والمصلحين، من أنهم لا يملكون حلولا عملية.

فغفلوا عن أن النبي صلى الله عليه وسلم الذي أرشد إلى الرقية والتداوي بالقرآن، هو ذاته النبي الذي كان يتعاطى الأدوية والعلاجات التي كان يصفها أهل الخبرة، حتى أن السيدة عائشة قد اكتسبت من خلال مشاهداتها تلك، خبرة كبيرة في الطب.
ومما يروى عن الفاروق عمر أنه رأى إبلاً جرباء فسألهم: ماذاتصنعون لعلاج هذه الإبل؟ قالوا: عندنا عجوز صالحة نذهب إليها فتدعو لها! فقال: اجعلوا مع دعاء العجوز شيئاً من القطران!!

لا يكفي الداعية لحل مشكلة البطالة أن يتحدث عن قيمة العمل في الإسلام، وإنما يكون دالا على حلول عملية لمن يسأله، كأن يرشده إلى المشروعات الصغيرة التي لا تحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة.

خطيب المسجد ينبغي عليه أن يتحدث في النظافة والحفاظ على البيئة والموارد، وعن بناء الجسم والاهتمام بالرياضة، والاقتصاد والسياسة، عليه أن يتحدث عن مشاكل الحيّ الذي يقطن فيه، ويتواصل مع السكان لمناقشة الحلول.

* الدعوات التي تحصر نفسها داخل المسجد، ينبغي عليها أن تخرج إلى واقع الناس، وتستخدم المتاح لديها في الاهتمام بالجانب الخدمي والتعليمي والثقافي.

لماذا يستأثر العلمانيون بالصالونات الثقافية التي تشكل وعي الشباب، بينما يقبع الدعاة والمصلحون في المساجد؟

أعلمُ يقينا مدى التضييق الذي يُعاني منه الدعاة والمصلحون، لكننا نطالبهم بالعمل في هذا الإطار وفق المتاح لديهم والمساحات التي يتحركون بها دون عوائق، أما أن يتم اختزال الدعوة الإسلامية في نطاق طلب العلم والدروس فهذا أمر غير مقبول.

نحن لا نريد أن يكون كل أبناء الأمة علماء وطلبة علم متميزين، فلم تكن هذه الصورة التي عليها المجتمع المسلم في الصدر الأول، فخالد بن الوليد رضي الله عنه الذي كان له باع كبير في الجهاد، لم يكن يتقن القرآن بسبب انشغاله بهذا الثغر الذي أقامه الله عليه.

وكما يهتم الدعاة والمصلحون والمربون بتخريج طلبة علم وعلماء، ينبغي ألا يقل اهتمامهم عن ذلك في أن يكون هناك العالم الفيزيائي، والطبيب النابغة، والرياضي المتفوق.

* إنها وقفة سريعة سبقني إليها الكثيرون، في أن تكون هناك مراجعة داخلية ونقد ذاتي وكشف حساب لكل دعوة أو كيان إصلاحي أو حتى على مستوى العمل الفردي،

فهو أول خطوة على طريق تصحيح المفاهيم لدى عموم المجتمع، وتشكيل وعي أبنائه.

الجمعة، 4 سبتمبر 2015

المسؤولية الفردية من المنظور الإسلامي:

إن تجاهل الفرد مسؤوليته عن الأحداث ومسؤوليته في التغيير، هي نظرة العجزة والغارقين في أوحال المنطق التبريري، لذلك يظل دائما يلعن الظلام، دون أن يفكر في أن يوقد شمعة.

الشعور بالمسؤولية الفردية في الفكر الإسلامي، ينطلق من كون مناط التكليف فرديا، وأن المرء سوف يسأل وحده يوم يبعث ويحاسب وحده "وكلهم آتيه يوم القيامة فردا".

لذلك تذخر النصوص الشرعية بما يؤكد على المسؤولية الفردية، منها توجيه الخطاب بصيغة فردية: (من رأى منكم منكرا فليغيره)، (لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم)، (ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع).
وليت الفرد يدرك أنه يسهم بصورة أو بأخرى في تشكيل الواقع من حوله، وأنه نموذج مصغر يحمل آفات هذا المجتمع، ومسؤول عن تغييره.

فرد مبدع:
استشعار المسؤولية الفردية حاضر وبقوة في التاريخ الإسلامي، ومن ذلك ما ذكره القرطبي في تفسيره: "وقد بلغني أن عسكر المسلمين لما لقي الفرس نفرت خيل المسلمين من الفيلة، فعمد رجل منهم فصنع فيلا من طين وأنس به فرسه حتى ألفه، فلما أصبح لم ينفر فرسه من الفيل فحمل على الفيل الذي كان يقدمها فقيل له: إنه قاتلك، فقال: لاضير أن أقتل ويفتح للمسلمين".
فلم ينتظر الفارس حلولا جماعية، تمليها القيادة، إنما استشعر أهمية الجهد الفردي، ومسؤوليته تجاه أمته.

ضرير ذو بصيرة:
هو الشاعر الضرير يحيى بن يوسف الأنصاري الصرصري، علم من أعلام الإسلام ، ولد سنة 588هـ، قرأ القرآن بالروايات ودرس الفقه على مذهب أحمد بن حنبل.
لما دخل هولاكو وجنوده إلى بغداد سنة 656ه، كان الشيخ يحيى بها، فدعاه كرمونبن هولاكو للحضور، فأبى أن يجيب له، وأعد في داره حجارة، فحين دخل عليه التتار رماهم بتلك الأحجار فهشم منهم جماعة، فلما خلصوا إليه قتل أحدهم بعكازه ثم قتلوه.

تعلمها من هدهد:
ذلك الهدهد السليماني كان جندياً في جيش نبي الله سليمان، يغيب عن مجلسه لأنه قد رأى أعظم جريمة ترتكب على وجه الأرض، وهي جريمة الشرك "إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُون".

تحرك بدافع ذاتي، واستشعار المسؤولية الفردية، فدل نبي الله سليمان على تلك الأرض، لينشر فيها نور الإسلام.