Copy

الثلاثاء، 2 سبتمبر 2014

الحج ٢

وقال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}[البقرة:197]
أي وقت الحج أشهر معلومات، وهي: شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة إلى طلوع الفجر من يوم النحر (8) قال مالك وأبو حنيفة والنخعي: يجوز الإحرام في جميع السنة بالحج والعمرة.. واحتج النخعي بقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}[البقرة:189] إذ جعل جميع مواقيت للحج ولم يفصل، وهذا احتجاج ضعيف، إذ ليس في الآية تعميم جميع الأهلة لتوقيت الحج، بل مساق الآية أن جميع الأهلة صالحة للتوقيت إجمالا، مع التوزيع في التفصيل فيؤقت كل عمل بما يقارنه من ظهور الأهلة على ما تبينه أدلة أخرى من الكتاب والسنة. (9)
قال ابن عاشور: واتفق العلماء على أن مدارسة العلم والمناظرة فيه ليست من الجدال المنهي عنه، وقد سمعت من شيخنا العلامة الوزير أن الزمخشري لما أتم تفسير الكشاف، وضعه في الكعبة في مدة الحج بقصد أن يطالعه العلماء الذين يحضرون الموسم، وقال: «من بدا له أن يجادل في شيء فليفعل» فزعموا أن بعض أهل العلم اعترض عليه قائلا: بماذا فسرت قوله تعالى: {وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}؟ وأنه وجم لها. وأنا أحسب -إن صحت هذه الحكاية- أن الزمخشري أعرض عن مجاوبته لأنه رآه لا يفرق بين الجدال الممنوع في الحج وبين الجدال في العلم، واتفقوا على أن المجادلة في إنكار المنكر وإقامة حدود الدين ليست من المنهي عنه، فالمنهي عنه هو ما يجر إلى المغاضبة والمشاتمة وينافي حرمة الحج، ولأجل ما في أحوال الجدال من التفصيل كانت الآية مجملة فيما يفسد الحج من أنواع الجدال، فيرجع في بيان ذلك إلى أدلة أخرى. (10)

وقوله تعالى: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} نفي الثلاثة على قصد النهي للمبالغة، وللدلالة على أنها حقيقة بأن لا تكون، وما كانت منها مستقبحة في أنفسها ففي الحج أقبح، كلبسه الحرير في الصلاة، والتطريب بقراءة القرآن، لأنه خروج عن مقتضى الطبع والعادة إلى محض العبادة. (11)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق